التحكيم التجاري الدولي هو نظام خاص للتقاضي أقرته معظم الدول و منها مصر ويمكن القول أنه طريق قانوني موازى للقضاء سمحت به معظم قوانين الدول في العصر الحديث حيث أصدرت الأمم المتحدة قانونها العام بشأن التحكيم التجاري الدولي للفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات والهيئات و الشركات سواء كانت مدنية أو تجارية وسواء كانت خلافاتهم عقدية أو غير عقدية ثم استلهمت معظم الدول على مستوى العالم أحكام قانون الأمم المتحدة للتحكيم الدولي لتدرجه ضمن القوانين الفاعلة على أرضها لتنظيم قضاء التحكيم الدولي كما أن هناك كثير من الدول قد أصدرت تشريعاتها الخاصة بالتحكيم الدولي مستلهمة في ذلك أحكام قانون الأمم المتحدة بشأن التحكيم الدولي مثل جمهورية مصر العربية و المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وقد عرفته المحكمة الدستورية العليا بأنه ( عرض نزاع معين بين طرفين على محكم مـن الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددونها ليفصل في هذا النزاع بقرار قاطع لــدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلى كل منه بوجهه نظره تفصيلياً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية ( حكم الدستورية العليا فى القضية رقم 380 لسنة 3 ق جلسة 11/5/2003)
كما نصت المادة العاشرة من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية و التجارية في فقرتها الأولى على أن اتفاق التحكيم هو ( اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض النزاعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية)
ولهذا يمكن أن يأتي شرط التحكيم كأحد الشروط المتضمنة في العقد الموقع بين الأفراد حيث لا يحتاج ألي توقيع خاص أو يأتي في أتفاق مكمل للعقد الأصلي أو قد يكون عبارة عن أتفاق مستقل عن العقد بين الأطراف بعد نشوء النزاع بينهم في مشارطه تحكيم مستقلة عن العقد الأصلي ولذلك فأن التحكيم يعتمد أساسا ً على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم للفصل في النزاع الذي ثار بينهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي المعتاد الذي ينظمه قضاء الدولة المختص وذلك لأنه طريق اتفاقي في نشأته وفي تحديد ولاية المحكمين وتحديــد المنازعـــات التي تدخل في أطار هذه الولاية للفصل فيما ثار بين الأطراف من منازعات وليس للمحكمين الفصل في غيرها مما قد ينشأ بين الأطـــراف مـــن منازعات أخرى حتى ولو نشأت عن ذات الرابطة القانونية ألا بأتفاق طرفى النزاع طالما لم يشملها الاتفاق الأصلي على التحكيم حيث يعتبر أتفاق التحكيم هو الأساس العام لولاية المحكمين للفصل في النزاع بين طرفيه
وتأنى أهمية التحكيم من تشجيع الدولة له لجذب الاستثمارات الخارجية و رؤوس الأموال الأجنبية من أجل زيادة الإسراع في عمليات التنمية المحلية داخل الدول المختلفة فضلاً عن أعطاء الحرية للأفراد و الشركات و الهيئات لتنظيم ما يثور بينهم من منازعات قد يطول أمد الفصل فيها أمام ساحات القضاء العادي سنوات طوال و هو ما يتعارض مع الوتيرة السريعة لدوران رأس المال و عجلة الإنتاج داخل كل دولة
قد أصبح من أهم وسائل تسوية المنازعات التي تنشأ بين الدول و بعضها البعض أو بينها وبين الأفراد و بعضهم البعض سواء كانوا من جنسيات متعددة أو من جنسية واحدة وخاصة في مجال التجارة الدولية وذلك لما يحققه من مزايا لأطراف العلاقة القانونية ونذكر من هذه المزايا ما يلي
حيث أن الهاجس الأول لكل الشركات متعددة القوميات والمستثمرين و أصحاب رؤوس الأموال العابرة للقارات من أصحاب الشركات الاستثمارية بكل أنواعها دائما ما يكون هو الأول هو الأمان القانوني لأموالهم المستثمرة على إقليم الدولة الوطنية في حالة نشوء أي نزاع سواء بينهم و بين الدولة المضيفة للاستثمار أو بينهم و بين الشركاء الآخرين و الهيئات و رجال الأعمال المتعاملين معهم داخل الدولة التي يستثمرون أموالهم بها و ذلك لعدم إدراكهم للنظام القانوني للتقاضي على أرض الدولة التي يستثمرون أموالهم على أرضها فلو نشأ نزاع بين هذه الشركات العابرة للقارات على أرض إقليم دولة ما فأي القوانين سوف يطبق لحكم هذا النزاع هل هو قانون الدولة المضيفة للاستثمار والذي غالباً ما يجهله أصحاب الشركات الأجنبية أم قانون أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية أنفسهم و الذي غالباً ما يكون مجهول للدولة الوطنية كما أن أي من هذه القوانين الأجنبية أو الوطنية قد يكون هو الأنسب عملياً لحل النزاع ذاته فنياً و من هنا تأتى الأهمية القصوى للتحكيم المحلى و الدولي حيث يمكن الأطراف من اختيار القانون الموضوعي و الأجرائى الأنسب لحكم كل نزاع بما تناسب و ظروفهم الخاصة و ظروف الفصل في النزاع ذاته كما يعطيهم الفرصة لاختيار قضاة و محامين التحكيم الدولي أصحاب الخبرة لتولى الفصل في هذا النزاع أو الدفاع عنهم فيه أمام هيئات التحكيم المختلفة ومن هنا تأتى أهمية أعداد المحكم الدولي عالي الكفاءة لتولى الفصل في هذه المنازعات سواء باللغة العربية أو أللغة الانجليزية
حيث لا يتقيد المحكم بإجراءات التقاضي العادية ومواعيدها ومواعيد الإعلانات القضائية ومن ثم يتفادى البطء الشديد في إجراءات القضاء العادي فهيئة التحكيم هي هيئة متخصصة ومتفرغة للفصل في النزاع المعروض عليها وذلك على عكس المحاكم المختصة بالدعاوى ناهيك عن أن التقاضي أمام المحاكم العادية يـــتم على درجتين ثم الدخول في مرحلة النقض و ألتماس أعادة النظر و هو ما يستهلك كثير من الوقت قد يصل لعشرات السنوات من أجل الفصل في النزاع أما هيئات التحكيم فحكمها يصدر باتاً لا يقبل الطعن بأي من هذه الطرق حيث أن الطريق الوحيد للطعن على حكم التحكيم هو الطعن عليه بالبطلان أذا ما توافرت أحدى حالته المنصوص عليها قانوناً
تعتبر نفقات التحكيم زهيدة أذا ما قورنت بسنوات الانتظار أمام المحاكم الوطنية في الخصومة القضائية إضافة ألي الكثير من الرسوم القضائية وأتعاب محاماة والخبراء
حيث أنه في التحكيم يرتضى الأطراف مقدما وعن طيب خاطر ما تنتهي إليه هيئة التحكيم من حكم وهو ما يساعد على استمرار العلاقات بينهما كما أن السرية من أهم مزايا نظـــام التحكيم على عكس علانية جلسات القضاء العادي وهذه السرية تساعد على حفظ الأسرار العائلية و التجارية و الأسرار الصناعية كما تساعد على استمرار العلاقة بين الطرفين بعد صدور أحكام التحكيم ألتي أرتضى أطرافه الخضوع لها مقدماً
حيث يعتبر التحكيم أداة تشجيع للتجارة على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي فهو يمثل أداة للثقة والطمأنينة في مجال المعاملات الدولية ويشجع التجارة بين الدول فهو يطمئن المستثمر الأجنبي من مخاوف اللجوء إلى القضاء الوطني وتطبيق القانون الوطني وطول الإجراءات واعتقاده في انحياز القاضي الوطني إلى مواطنيه أطراف النزاع
فالتحكيم كآلية فنية لحسم المنازعات الناشئة بين الأفراد يختلف عن القضاء العام فهذا الأخير يجد مصدره في سلطة الدولة التي تفرضه على الأشخاص إذا ما نشئت نزاعات بينهم بخلاف التحكيم الذي يستمد وجوده من إرادة الأطراف أنفسهم فالمحكم بمجرد قبوله للمهمة يصبح قاضي النزاع يباشر مهامه مستقلا عن الأطراف و هذه الخاصية تعتبر من الخصائص الجوهرية المميزة لنظام التحكيم لأنه يهدف إلى الفصل في المنازعة بين الأطراف بحكم قاطع قابل للتنفيذ بسهولة على إقليم الدولة أو خارجها خاصة بين الدول المنضمة لاتفاقية نيويورك كما أنه يساير الأنظمة الدولية الحديثة التي تعمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية