أصبح اللجوء للوسائل البديلة لحل المنازعات في وقتنا الحالي أمراً ملحـاً وذلك لتلبية متطلبات الفصل في منازعات الأعمال التجارية المتزايدة بالطرق الحديثة والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات والحاجة إلى السرعة والفعالية في بحث الخلافات القانونية التي يمكن أن تنشأ من قبل المتخصصين فقد أوجد ذلك الحاجة لوجود آليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفـعّال مع منحهم مرونة وحرية فى الحركة السريعة ألتي قد لا تتوفر عادة في المحاكم لذلك يمكن القول أن الوسائل البديلة لحل المنازعات تشهد حالياً اهتماما متزايدا على صعيد معظم الأنظمة القانونية و القضائية في العالم المتحضر وذلك لما توفره من مرونة و سرعة في الفصل في هذه المنازعات مع الحفاظ على السرية التي يرغبها الأطراف لما يدور بينهم من مشاركات في إيجاد الحلول المناسبة لمنازعاتهم
وجدير بالذكر أن الوسائل البديلة لحل المنازعات قد أصبحت من الوسائل الملائمة للفصل في مجموعة هامة من المنازعات كما هو الشأن في منازعات التجارة الدولية وحماية المستهلك والمنازعات الناشئة في بيئة الإنترنت والتجارة الإلكترونية والملكية الفكرية في العصر الرقمي وغيرها من المنازعات حتى أصبح يطلق على هذه الوسائل بالنظر لطابعها العملي الطرق المناسبة لفض المنازعات بل لقد أصبح اللجوء إلى التحكيم مشروطا في غالب الأحيان بضرورة اللجوء مسبقا إلى الوساطة أو التوفيق قبل الذهاب ألي ساحات التحكيم
:-و تشمل هذه الوسائل
التفـــــــــــــاوض
وهو قائم على الحوار المباشر بين الطرفين المتنازعين سعيا لحل الخلاف ولا يحتاج التفاوض إلى أي طرف ثالث بل يعتمد على الحوار بين الطرفين مباشرة إلا انه لا يوجد ما يمنع من تمثيل المتنازعين بواسطة محامين أو وكلاء عنهم حيث لا يغير ذلك من طبيعة التفاوض طالما أن الوكلاء لا يملكون سلطة اتخاذ القرارات نيابة عن موكليهم ويتعيــــــــن على أطراف النزاع خلال عملية التفاوض وإجراءاته تزويد المفاوضين بالبيانات والوثائق والمستندات التي تؤيد طلبات كل منهم حتى يستطيع من يقوم بعملية التفاوض أداء مهمته بطريقة تقرب وجهات النظر وتنهى الخلاف الحادث بين طرفيه
الوساطــــــــــــة
وهي مرحلة متقدمة من التفاوض تتم بمشاركة طرف ثالث وسيط يعمل على تسهيل الحوار بين الطرفين المتنازعين و مساعدتهما على التوصل لتسوية عادلة للنزاع ولا يجوز للوسيط اتخاذ قرار بات في أساس النزاع بل إن دوره ينحصر في محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين أو الإطراف المتنازعة وفي طرح الحلول البديلة أمامهم دون فرض أي منها عليهم والوسيط يكون عادة شخصا محايدا ويكون له دور أكثر إيجابية في حسم النزاع فهو لا يجمع الأطراف دائما في لقاءات مشتركة كالموفق ولكنه يعمل في الغالب مترددا بينهم منفردا بكــــــل طـرف على حدة لمحاولة التوصل إلى صيغة عادلة محاولاً إقناع كل طرف بأن التسوية قد تكون فى صالحه لصالحه
والحقيقة أن هناك ما يكفي من العوامل التي تشجـــع على حل الخلافات عبر هذه الوسيلة والتي منها السرعة وقلة التكاليف إلى جانــــــب ما تتميز به الوساطة من شفافية وخلوها من تعقيدات الإجراءات القضائية
كما يفترض في الوسيط أن يكون شخصا ذا مقدرة على الحوار والإقناع وله خبرة كافية في أدارة عمليات التفاوض بين الأطراف المتنازعة وأن يعمل على جمع المعلومات اللازمة عن النزاع والتفــاوض مع الأطراف بشأنه وأن تكون لديه القدرة على تقريب وجهات نظـر الأطراف ومساعدتهم على تفهم مواقف ووجهات
نظر بعضهم البعض فإذا رأى الوسيط أن أي من مسائل النزاع بين الطرفين لا تحتمل التسوية عن طريق الوساطة فله أن يقترح على الطرفين الأخذ بقرار خبير في أي مسألة من مسائل الخلاف أو أن يقدم كل طرف عروضاً أخيرة تساعد على إنهاء النزاع و عملية الوساطة قد تنتهي بتوقيع الطرفين على محضر بالتسوية يشمل كل المسائل موضوع النزاع بينهما أو أي مسألة منها أو قد تنتهي بقرار الوسيط بالإنهاء إذا كان من غير الممكن حسب تقديره أن تؤدي مواصلة الوساطة إلى تسوية النزاع بين الطرفين كما يمكن أيضاً إنهاء عملية الوساطة من قبل أحد الطرفين في أي وقت بعد بدء إجراءات الوساطة وقبل التوقيع على أي اتفاق بشأن تسوية النزاع
المصالحة و التوفيق
و هي أحد الوسائل والأساليب البديلة لتسوية المنازعات خارج ساحة القضاء الرسمي للدولة بل هي من أهم تلك الوسائل التي أصبح لها مكانة واضحة ودوراً بارزاً في حسم المنازعات الناشئة بين أطراف العلاقات والاتفاقات والعقود التجارية وهو ما جعل نظام المصالحة يحظى باهتمام كبير في الآونة الأخيرة
على الرغم من أنه أحد أقدم أساليب حل الخلافات والمنازعات في تاريخ البشرية إذ لجأ الناس منذ البدء إلى الصلح في حل خلافاتهم ومنازعاتهم إلى جانب التحكيم قبل ظهور القضاء الرسمي وتولي الدولة لمهمة فض المنازعات بين مواطنيها
وتتمثل عملية المصالحة في اتفاق الأطراف على محاولة إجراء تسوية ودية عن طريق شخص ذو خبرة في نوعية النزاع الحادث بينهم الذين حيث يتولى تحديد مواضع النزاع ويقدم مقترحاته التي قد تحظى بقبول الأطراف أو لا تلقى قبولا منهم ، فهو لا يصدر قرارات وإنما يقدم مقترحات يظل أمرها معلقاً على قبول الأطراف حيث أن الحل الذي يقدمه الموفق للأطراف لا يلزمهم فقد يوافقون عليه وقد لا يوافقون ويبحثون عن وسيلة بديلة لفض نزاعهم كالالتجاء إلى التحكيم أو إلى القضاء العادي (قضاء الدولة) ولا تؤثر عملية التوفيق على ما لهم من حقوق بمعنى آخر فإن عمل من يقوم بالتوفيق بين الخصوم هو ريب وجهات النظر بين الخصوم واقتراح الحلول المناسبة لهذا النزاع